[color=darkblue][b]بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين .
فضيلة الشيخ / مدير مدرسة دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة,,,, حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:.
تمهيد
فإني أشكر الله لكم على هذا الجهد المبارك إن شاء الله والذي أسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتكم يوم القيامة ، ورغبة في المشاركة واكتساب الأجر من باب النصح في الله فهذه بعض الأخطاء التي وقفت عليها أثناء قراءتي لكتاب تقريب وترتيب الطحاوية لصاحبه الأخ خالد فوزي دونتها باختصار لضيق الوقت وكثرة المشاغل وذلك لخطورة موضوعها حيث أنها تتعلق بأمور عقدية تمس عقيدة كل مسلم لا سيما
وهذا الكتاب يدرس في الجامعات على حد علمي وهو مقرر على دار الحديث الخيرية .
لذا وجدت من واجبي التنبيه على هذه الأخطاء لعل الله أن ينفع بها لاسيما وكثرة من يقول بها في هذا الوقت ولكن حسبنا أن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه .
ومما لاشك فيه أن شرح الطحاوية شرح جليل على منهج السلف الصالح إلا في بعض الأمور التي حاول الشارح ابن أبي العز رحمه الله التقريب فيها بين منهج السلف ومنهج مرجئة الفقهاء من الحنفية خاصة في مسألة الإيمان والكفر فلا شك أن الخلاف بين السلف ومرجئة الفقهاء في هذه المسائل حقيقي .
وكيف يكون الخلاف لفظيا مع من يقول :-
1- الإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان ولا يدخل أعمال القلوب والجوارح في
الإيمان أو يدخل الأولى دون الثانية .
2-و يقول إن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص - وهذا انحراف مشترك بين الخوارج والمرجئة والجهمية .
3-و يقول إن إيمان عامة الناس كإيمان الملائكة والأنبياء والصالحين .
4-و يقول إن الكفر هو الجحود ولا يخرج من الإيمان أحد إلا بجحود ما أدخله فيه .
5-و يقول إن تارك الأعمال جميعا إذا أقر بها وامتنع عن العمل بها مسلم عاص حتى وإن عرض عليه السيف فأبى العمل واختار القتل فيقتل حدا ويموت مسلما .
6-و يقول لا يكفر أحد بذنب ما لم يستحله – مع عدم التنبيه على ما يراد بالذنب هنا –
-هذه الأقوال السابقة تجعل الأمر أكبر من أن يكون الخلاف لفظياً صورياً في مجرد دخول أعمال الجوارح في الإيمان وما يترتب عليه من حكم مرتكب الكبيرة وأنه لا يكفر ولا يخلد في النار، بل الأمر يمتد إلى دخول أعمال القلوب في الإيمان ، وكون الكفر المخرج من الملة يكون بالقول والفعل ، كما يكون بالجحود والاستحلال . فهنا لا يغني أن يقال العمل مطلوب و مرتكب الكبيرة ليس كافرا ولا يخلد في النار لأن هذا ليس هو جل ما ينبني على هذه الأقوال بل الأمر أكبر من ذلك كما هو واضح . لا سيما والساحة تعج بمقالات الإرجاء -وهذه الأقوال تتطور بلا مراعاة لأصلها - كمن يقول لا كفر إلا بالاعتقاد أو بالجحود والاستحلال ومن يقول : تارك الأعمال كلها مسلم ويتهم المخالف له بأنه من
الخوارج وغير ذلك.
-والبعض يدخل العمل في الإيمان ولكن لا يجعله في أصل الإيمان
ولكن يجعله في الإيمان الكامل وهذه بدعة الإرجاء الحديث فتدخل عليه نفس الشبهة ثم
الناظر يقول (إنه يقول الإيمان: قول وعمل على منهج السلف ) !!
ومعنى إدخاله العمل في كمال الإيمان أنك لا تجد ناقض عملي مكفر لأنها لا تنافي أصل الإيمان حيث
أنها لا تدخل فيه لكنها تنقص من كماله ولا يكفر بها إلا إذا اقترنت بكفر الاعتقاد فلا تأثير لها في الكفر على الحقيقة وانظر في المسألة الرابعة من هذه الوريقات وفي تعليقي على أخطاء المؤلف حين علق على كلام الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.
ومعناه أيضاً أن الإنسان لو عاش دهره لم يسجد لله سجدة ، ولم يأت بعمل ظاهر قط – مع القدرة وعدم العذر – ثم مات على ذلك ، أنه يموت مسلما موحدا !!
وهذا – كما لا يخفى عليكم – ما أوجب تحذير اللجنة الدائمة من كتابي أحمد بن ناصر الزهراني ، وعدنان عبد القادر .
-والبعض الآخر يقرر منهج أهل السنة في الإيمان من جهة الإثبات أي أن الإيمان قول وعمل ثم تدخل عليه شبهة الإرجاء من جهة النفي فيقرر أن الكفر لا يكون إلا بالاعتقاد والجحود .فيظهر كيف أدخله في الإثبات ثم هو يتناقض ويضطرب من جهة النفي.
-والأمر كما يقول شيخ الإسلام رحمه الله مجموع الفتاوى ج: 7 ص: 143
" …….لكن هؤلاء ظنوا أن الذين استثنوا في الإيمان من السلف كان هذا مأخذهم لأن هؤلاء وأمثالهم لم يكونوا خبيرين بكلام السلف بل ينصرون ما يظهر من أقوالهم بما تلقوه عن المتكلمين من الجهمية ونحوهم من أهل البدع فيبقى الظاهر قول السلف والباطن قول الجهمية الذين هم أفسد الناس مقالة في الإيمان"
-وقد يستدلون بكلام بعض أهل العلم من المتقدمين الذين ظهر خطأهم في هذه المسألة وغيرها من مسائل الاعتقاد كالإمام بن حجر رحمه الله حيث يقرر أن السلف رحمهم الله قالوا الإيمان قول وعمل ولكن الفرق بين السلف والخوارج والمعتزلة أن السلف جعلوا الأعمال شرط كمال والخوارج والمعتزلة جعلوها شرط صحة. ولاشك في خطورة هذا القول وخطئه مع انتشاره وقلة من ينبه عليه ،
وإن من ثمرة هذا القول الأخير تقسيم الكفر إلى عملي واعتقادي ويقصدون بالعملي الكفر الأصغر أو كفر دون كفر ويقصدون بالاعتقادي الكفر الأكبر المخرج من الملة لأن العمل شرط كمال فهو إما واجب أو مستحب .
-هذا وكثير من يذكر مرجئة الفقهاء يجعلهم من أهل السنة في مسائل الإيمان والكفر معتمدا على نقل لشيخ الإسلام رحمه الله أن الخلاف لفظي وأن أهل السنة اختلفوا في دلالة الإيمان علي العمل بين اللزوم و التضمن ولا ينقلون عن غيره ذمهم وتبديعهم بل لا ينقلون حتى ما نقله شيخ الإسلام رحمه الله فيهم من الذم والإنكار
مثل قوله رحمه الله :"وأنكر حماد بن أبى سليمان ومن اتبعه تفاضل الإيمان ودخول الأعمال فيه
والاستثناء فيه وهؤلاء من مرجئة الفقهاء وأما إبراهيم النخعى إمام أهل الكوفة شيخ حماد بن أبى سليمان وأمثاله ومن قبله من أصحاب ابن مسعود كعلقمة والأسود فكانوا من أشد الناس مخالفة للمرجئة وكانوا يستثنون في الإيمان لكن حماد بن أبى سليمان خالف سلفه واتبعه من اتبعه ودخل في هذا طوائف من أهل الكوفة ومن بعدهم ثم أن السلف والأئمة اشتد إنكارهم على هؤلاء وتبديعهم وتغليظ القول فيهم ولم أعلم أحدا منهم نطق بتكفيرهم بل هم متفقون على أنهم لا يكفرون في ذلك وقد نص أحمد وغيره من الأئمة على عدم تكفير هؤلاء المرجئة ومن نقل عن أحمد أو غيره من الأئمة تكفيرا
لهؤلاء أو جعل هؤلاء من أهل البدع المتنازع في تكفيرهم فقد غلط غلطا عظيما والمحفوظ عن أحمد وأمثاله من الأئمة إنما هو تكفير الجهمية المشبهة وأمثال هؤلاء…" ج /7 صـ505
فكيف يكون من هذه حاله من الذم والتبديع من السلف يكون الخلاف معه لفظيا.
ولقد ألزمهم شيخ الإسلام بقول جهم إن لم يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان
كأصل يزول الإيمان بزواله كالتصديق تماما فيكون الإيمان قول وعمل قول ظاهر وباطن وعمل ظاهر وباطن والظاهر تابع للباطن ولازم له، والإيمان أصله الإيمان الذي في القلب ولابد فيه من شيئين تصديق بالقلب وهو معرفته وإقراره وعمل للقلب وهو محبته وانقياده.
-والتصديق ينافيه الشك والجهل والتكذيب والجحود والإنكار.
-وعمل القلب من المحبة والانقياد يزول بكل عمل نص الشارع على أنه مخرج من
الملة وأجمعت الأمة على ذلك وأنه لا يصدر إلا من كافر .
وهذا الإلزام يبقى لكل من لم يجعل الأعمال سواء أعمال القلوب أو أعمال الجوارح من الإيمان وكذلك كل من لم يجعل أعمال القلوب من أصل الإيمان يزول الإيمان بزوالها وهذا هو موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة
،وكلام شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله قد يكون في وقته وزمانه لعدم تطور ظاهرة الإرجاء والتردي في تفسير كلام السلف بهذه الصورة لكن في هذا الوقت الخلاف حقيقي لاشك في ذلك لما ترتب عليه من أحكام ونحن نستفيد من إلزام شيخ الإسلام لهم السابق في معرفة طبيعة الخلاف هل هو لفظي أم حقيقي تنبني عليه أحكام .
-قال العلامة بن باز رحمه الله في تعليقه على متن الطحاوية: على قول الماتن "والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان "
" هذا التعريف فيه نظر وقصور والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل واعتقاد
يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر وقدذكر الشارح بن أبي العز جملة منها فراجعها إن شئت وإخراج العمل من الإيمان هو قول المرجئة وليس الخلاف بينهم وبين أهل السنة فيه لفظيا بل هو خلاف لفظي ومعنوي ويترتب عليه أحكام كثيرة يعلمها من تدبر كلام أهل السنة وكلام المرجئة والله المستعان".
-هذا ولعدم اختصاص مرجئة الفقهاء بالقول أن الإيمان تصديق وقول ، يجب تحرير
هذه المسألة جيداً من الباحثين والمحققين وعدم إطلاق القول بأن من يقول أن الإيمان قول باللسان وتصديق بالقلب من مرجئة الفقهاء والخلاف معه لفظي بل شاركهم فيه غيرهم مثل أصحاب بشر المريسي.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله مجموع الفتاوى ج: 7 ص: 548
و الفرقة الحادية عشر: من المرجئة أصحاب بشر المريسي يقولون إن الإيمان هو التصديق لأن الإيمان في اللغة هو التصديق وما ليس بتصديق فليس بإيمان ويزعم أن التصديق يكون بالقلب وباللسان جميعا وإلى هذا القول كان يذهب ابن الراوندي وكان ابن الراوندي يزعم أن الكفر هو الجحد والإنكار والستر والتغطية وليس يجوز أن يكون الكفر إلا ما كان في اللغة كفرا ولا يجوز إيمان إلا ما كان في اللغة
إيمانا وكان يزعم أن السجود للشمس ليس بكفر ولا السجود لغير الله كفر ولكنه علم على
الكفر لأنالله بين أنه لا يسجد للشمس إلا كافر".
]